فصل: الفن الثامن عشر: أحوال الكلية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في النواصير في المقعدة:

قد تتولد هذه النواصير عن جراحات في المقعدة وخرقها وقد تتولد عن البواسير المتأكلة ونواصير المقعدة منها غير نافذة وهي أسلم ومنها نافذة وهي أردأ.
وما كان قريبأ من التجويف والمدخل فهو أسلم لأنه إن خرق لم تنل العضلة كلها آفة بل بعضها ووفي الباقي بفعلها من الحبس.
وأما البعيد فإنه إذا خرق وهو العلاج قطع العضلة الحابسة كلها أو أكثرها فذهب جل الحبس وتأدى إلى خروج الزبل بغير إرادة وربما كان متصلاً بأوراد وعصب وكان فيه خطر.
ويعرف الفرق بين النافذ وغير النافذ بإدخال ميل في الناصور وإصبع في المقعدة يتجسّس بها مشتهى موضع الميل فيعرف النفوذ وغير النفوذ.
والنافذ قد يدل عليه خروج الزبل منه ويعرف أيضاَ هل الخرق ينال العضلة كلها أو بعضها بتدبير قاله بعض المتقدمين الأولين وانتحله بعض المتأخرين وذلك بأن تدخل الأصبع في المقعدة والميل في الناصور ويؤمر العليل حتى يشد المقعدة ويشيلها إلى فوق فيحسّ بما ينقبض وبما يبرز من العضلة وكم عرضه الذي هو في طول البدن وكم بين طرف الميل وبين أعلى عرضه في طول البدن أقليل أم كثير والنافذ قد تكون له فوهة واحدة وقد يكون أكثر الأفواه.
فصل في العلاج:
أما غير النافذ فإن لم يكن منه أذى سيِلان كثير ونتن مفرط فلا بأس بتركه.
وإن كان يؤذي جرب عليه شياف الغرب وما يجري مجراه من أدوية النواصير فإن أَصلحها أو قلل فسادها وإلا استعمل الدواء الحاد لتبين ظاهر الناصور وهو للحم الميت ويظهر اللحم الصحيح ويتدارك الألم بالسمن يجعل عليه ودهن الورد ثم تدمل الجراحة بالمراهم المدملة وخصوصاً مرهم الرسل فإنه يبريه.
وإن كان ناصوراً أيضاً لم يعالج بعدما يقطع بخرق وسببه ولكن برفق وفي مدد.
ومما يدمله المرهم الأسود.
وأما النافذه فعلاجها الخزم وتراعى في الخزم ما قلناه.
ومن جيد خزمه أن يخزم بشعر مفتول ويكون دقيقاً أو بإبريسم مفتول يشد به شداً ويترك.
وإذا أدى إلى وجع شديد وخيف عروض التشنج وغير ذلك من الأعراض الرديئة أخذ عنه الخيط وعولج بما يسكن ثم عوود الشدّ به.

.فصل في حكّة المقعدة:

قد تكون للديدان الصغار المتولد فيها وقد تكون لأخلاط بورقية ومرارية تلذعها وقد تكون العلاج: أما الكائن عن الديدان فيعالج بعلاج الديدان والكائن عن القروح يعالج بعلاج القروح والكائن عن الأخلاط المحتبسة فيها فإن كانت تسيل من فوق أصلح الغذاء واستفرغ الخلط وإن كان محتبساً هناك استفرغ بالشيآفات المعروفة الموصوفة فيما ينقي المعي المسثقيم من الخلط البلغمي والمراري وقد ذكر في باب الزحير ويعالج بحمولات معدًلة وبحمولات مخدرة.
والمسح بخل الخمر نافع من ذلك جداً وكذلك الحجامة على العصص والكائن لقروح وسخة يعالج بالمجففات القوية المذكررة في باب السحج وإن كان لوجع شديد أخدر حسّ الموضع وينفع منها المرهم الآسود ومرهم الزنجار ويحتمل كل في صوفة على رأس ميل ثم يخرج بعد زمان ويستريح ويجدد ثانياً.

.الفن الثامن عشر: أحوال الكلية:

يشتمل على مقالتين:

.المقالة الأولى: كلّيات أحكام الكلية وتفصيلها:

.فصل في تشريح الكلية:

خلقت الكلية آلة تنقي الدم من المائية الفضلية لمحتاج كان إليها حاجة أوضحناها وتلك الحاجة تبطل عند نضج الدم واستعداده للنفوذ في البدن وقد علمت هذا ولما كانت هذه المائية كثيرة جداً كان الواجب أن يخلق العضو المنقّي إياها الجاذب لها إلى نفسه وإما عضواً كبيراً واحداً وإما عضوين زوجين. لو كان كبيراً واحداً لضيق وزاحم فخلق بدل الواحد إثنان وفي تثنيته المنفعة المعروفة في خلقة الأعضاء زوجين وقسمين وأقساماً أكثر من واحد لتكون الآفة إذا عرضت لواحد منهما قام وتلزيزه لمنافع إحداها ليتلافى بالتكثير تصغير الحجم والثانية ليكون ممتنعاً عن جذب غير الرقيق ونشفه والثائثة ليكون قوي الجوهر غير سريع الانفعال عما يتملى عنه كل وقت من المائية الحادة التي يصحبها أخلاط حادة في أكثر الأوقات.
فلما خلقتا كذلك سهل نفوذ الوتين في مجاورتهما بينهما وانفرج مكانهما لما وضع هناك من الأحشاء وجعلت الكلية اليمنى فوق اليسرى ليكون أقرب من الكبد وأجذب عنها ما أمكن فهي بحيث تمسها بل تماس الزائد التي تليها وجعلت اليسرى نازلة لأنها زوحمت في الجانب الأيسر بالطحال وليكون المتحلب من المائية لا يتحيّر بين قسمة معتدله بل ينجذب إلى الأقرب أولاً وإلى الأبعد ثانياً وهما يتراءيان بمقعرهما ومحدبهما يلي عظم الصلب وجعل في باطن كل كلية تجويف تنجذب إليه المائية من الطالع الذي يأتيه وهو قصير ثم يتحلّب عنها من باطنها إلى المثانة في الحالب الذي ينفصل عنها قليلاً قليلاً بعد أن يستنظف الكلية ما يصحب تلك المائية من فضل الدم استنظافاً أبلغ ما يمكنه فيغتذي بما يستنظف منه ويدفع الفضل فإن المائية لا تأتي الكلية وهي في غاية التصفي والتمييز بل يأتيها وفيها دموية باقية كأنها غسالة لحم غسل غسلاً بليغاً وكذلك إذا ضعفت الكلية لم تستنظف فخرجت المائية مستصحبة للدموية.
وكذلك إذا كانت الكبد ضعيفة فلم تميز المائية عن الدموية تمييزاً بالقدر الذي ينبغي فأنفذت مع المائية دموية أكثر من المحتاج إلى إنفاذه ففصل ما يصحبها من الدموية عن القد رالذي ينبغي وتحتاج إليه الكلية في غذائها كان ما يبرز من ذلك في البول غسالياً أيضاً شبيهاً بالغسالي الذي يبرز عند ضعف الكلية عن الاغتذاء.
وقد تأتي الكلية عصبة صغيرة يتخلّق منها غشاؤها ويأتيها وريد من جانب باب الكبد ويأتيها شريان له قدر من الشريان الذي يأتي الكبد فاعلم ذلك.

.فصل في أمراض الكلية:

الكلية قد يعرض لها أمراض المزاج ويعرض لها أمراض التركيب من صغر المقدار وكبره ومن السدّة.
ومن جملتها الحصاة وأمراض آلاتصال مثل القروح والأكلة وانقطاع العروق وانفتاحها.
وكل ذلك يعرض لها إما في نفسها وإما في المجاري التي بينهما وبين غيرها وذلك في القليل وإن عرض في تلك المجاري سدة من دم أو خلط أو حصاة شارك الكلية في العلاج.
وإذا كثرت الأمراض في الكلى ضعف الكبد حتى يتأدى إلى الاستسقاء كانت الكلية حارة أو باردة.
وإذا رأيت صاحب أوجاع الكلى يبول بولاً لزجاً وغروياً فاعلم أن ذلك يزيد في أوجاعه بما يجذب من المواد الرديئة وربما ولّد الحصاة وينحل أمراضها أيضاً بالبول الغليظ الراسب الثفل وكثيراً ما أورث شد الهميانات ألماً وحرارة في الكلى.
يستدل من البول في مقداره ورقته ولونه وما لا يخالطه ومن حال العطش ومن حال شهوة الجماع ومن حال الظهر وأوجاعه ومن حال الساقين ومن نفس الوجع ومن الملمس.
ومما يوافق وينافر.
وأمراض الكلية قد يصحبها قلة البول وتفارق ما يشبههما من أمراض الكبد بأن الشهوة لا تكون ساقطة كل السقوط ومن بال بولاً كثير الغبب فوقه فيه علة في كلاه.
وكذلك صاحب الرسوب اللحمي والشعري والكرسني النضيج لأن النضج من قبل الكلية.
لكن النضج إذا كان شديداً جداً ومعه خلط من أشياء آخرى فاحدس أن العلة في المثانة وإن كان نضج دون ذلك ففي الكلية.
وإن لم تر نضجاً فاحدس أن مبدأ المرض في الكبد لأن النضج إنما يكون بسبب الأعالي فلولا صحتها لم يكن نضج ولولا آفة فيها لم يكن عدم نضج.

.فصل في دليل حرارة الكلية:

يستدلّ على حرارة الكلية بالبول المنصبغ بالحمرة والصفرة وبقلّة شحمها وبما يظهر في لمسها وبأمراض تسرع إليها مثل الأورام الحارة ومثل ديابيطس الحار ومن قوة شهوة المباضعة ومن كثرة العطش.

.فصل في دلائل برودة الكلية:

برودة الكلية يدل عليها بياض البول وذهاب شهوة المباضعة وضعف الظهر وكون الظهر كظهر المشايخ وقد تكثر في الكلية الأمراض الباردة ويضرها البرد.
علاج سخونة الكلية: تعالج بشرب لبن الأتن والماعز المعلوف بالبقول الباردة وبمخيض البقر إن لم يخف تولد الحصاة.
وإن خيف أخذ ماء المخيض فإنه شديد التطفية للكلية وكذلك جميع العصارات واللعابات التي تعرفها.
وإذا حقن بها كانت أنجع وقد يحقن بالماء البارد ودهن حبّ القثاء فيكون جيداً وكذلك الضمّادات المتخذة منها والتمريخات بالأدهان الباردة.
وللكافور تأثير كثير في تبريد الكلية.
وبالجملة فإن العطش في مثل هذا المزاج يتواتر ولا يجوز.
منع الماء البارد علاج برودة الكلية: ينفع منه الحقن بالأدهان الحارة وبالأدوية الحارة وسمن البقر ودهن السمسم ودهن الجوز والكلكلانج ودهن اللوز المر ودهن القرطم وبماء الحلبة والشبث ومرق الرؤوس والفراخ وغير ذلك.
وبأن يدهن من خارج بشحم الثعلب وشحم الضبع ودهن الغار ودهن الجوز والفستق ودهن القسط خاصة.
وقد يجمع بين هذه المياه وبين الأدهان على ما يجب مناصفة ويحقن.
ويتخذ أيضاً ضمادات من أدوية مسخّنة عرفتها.
وللكموني منفعة عظيمة في علاج برد الكلية خاصة التي سحقت أخلاطه أكثر.
وللحقنة بدهن القسط خاصة قوية جداً.
وتتلوها الحقنة بدهن الحبة الخضراء والفستق ولدهن الألية إذا حقن بها تأثير جيد في تسخينها وتقويتها.

.فصل في هزال الكلية:

قد يعرض للكلية أن تهزل وتذبل ويقل شحمها بل ربما بطل شحمها بسوء مزاج وكثرة جماع واستفراغ علاماته سقوط شهوة الباه وبياض في البول ودروره وضعف ووجع ليّن فيه وربما كان معه نحافة البدن.
فصل في العلاج:
ينفع من ذلك أكل اللبوب مع السكّر مثل لب اللوز والنارجيل والبندق والفستق والخشخاش والحمص والباقلا واللوبيا.
والشحوم مثل شحم الدجاج والأوز وشحم كلى الماعز والخبز المشحم الحأر وتخلط بها الأدوية المدرة والأفاويه المقوية لتكون المدرّة موصلة والأفاويه محركة للقوة. وقد يخلط بها مثل اللك وما فيه لزوجة دسمة ليقؤي جوهر اللحم.
وينفع شراب لبن البقر واللبن المطبوخ مع ثلثه أو أربعة ترنجبين.
وإذا دقت الكلية وطبخت وطيبت وجعل عليها ما يسمن ويقوي من الأبازير والأفاويه كان ذلك نافعاً.
وينفعهم الحقن المتخذة من لحوم الحملان والفراخ ورؤوس الغنم مع الأدهان العطرة وأدهان اللبوب المذكورة ودهن الألية خاصة.
وإن جعل فيها كلى سمينة وما أشبه ذلك كان نافعاً.
حقنة جيدة: يؤخذ رأس خروف سمين يجعل في قدر ويصبّ عليه من الماء قسط ونصف وتطين القدر وتوضع في التنور مقدار يوم وليلة حتى ينفصل اللحم من العظم بل يكاد العظم ينفصل ويخلط به سمن وزنبق وشيء من عصارة الكراث.
وإن طبخ معه بزنجان وحسك ومغاث وحلبة وبزر خشخاش المدقوق وقوة من البصل كان أجود.
وإن أحتيج إلى فرط تسخين جعل فيه دهن الخروع ودهن القسط وللاعتدال دهن القرطم.
وأيضاً فإن الحقنة باللبن الحليب الحار كما يحلب نافعة جدا.
وإن احتيج الى تسخين على النار قليلاَ فعل.
وذكرنا في أقراباذين حقناً آخرى ومعجونات من اللبوب.

.فصل في ضعف الكلية:

قد يكون ضعف الكلية لسوء مزاج ما لارادة المستحكم وقد يكون للهزال وقد يكون لاتساع مجاريه وانفتاحها وتهلهل اكتناز قوامها وهو الضعف الأخص بها وهوالذي يعجز بسببه عن تصفية المائية عما يصحبها إلى الكلية وربما كانت العروق سليمة وربما لم تكن.
وسبب ذلك هو مثل كثرة الجماع وكثرة استعمال المدرات وكثرة البول والتعرض للخيل وركوبها من غير تدريج وأعتياد ومن كل تعب يصيب الكلى ومن كل صدمة من هذا القبيل القيام الكثير والسفر الطويل وخصوصاً ماشياً.
العلامات: ما كان بسبب المزاج فيدل عليه علامات المزاج وما كان بسبب الهزال فيدل عليه علامات الهزال وما كان لاتساع المجاري وتهلهل لحميتها لم يكن معه وجع إلا في أحيان ويقل معه شهوة الطعام ويكون البول قبل الانهضام والتأدي إلى العروق في أكثر الأمر مائياً.
وأما إذا تأدى الغذاء إلى العروق ففي الأكثر يأكثر خروج الدم والرطوبات الغليظة ويكون أكثر بوله كغسالة دم غليظ لأنها لا تغتذي بما يسيل إليها ولا تميز الغلظ من الرقيق ويعرض كثيراً أن ترسب دموية ويطفو شيء يشبه زبد البحر وذلك إذا كانت العروق سليمة.
وأما إذا لم تكن سليمة لم يتميز شيء بل بقي البول بحاله لضعف النضج ويتبع ضعف الكلية كيف كان وهزالها قلة البول والعجز عن الجماع وضعف البصر والجماع.
العلاج: ما كان من المزاج فعلاجه علاج المزاج في تبديله واستفراغ مادته إن كانت.
وما كان بسبب الهزال فعلاجه علاج.
الهزال وما كان بسبب الاتساع وهو الضعف الحقيقي فيجب أن تقصد قصد منع أسباب الاتساع والتلزيز والتقوية ومنع أسباب الاتساع وهو ترك الحركة والجماع وهجر الآستحمام الكثير والالتجاء إلى السكون والقراقر وهجرالمدرّات.
وأما التلزيز فبالأغذية المغرية المقبضة الملزجة.
أما من الأغذية فمثل السويق والقسب والزعرور والسفرجل والرمانية بعجم الزبيب مع شحم الماعز والمصوصات والقرّيصات المتخذة مثل حب الرمان والعصارات الحامضة والمرة والخل الطيب مع الكزبرة وما يشبهها.
ومن الأشربة نبيذ الزبيب العفص.
وأما الأدوية فمثل العصارات القابضة مخلوط بالطين الأرمني والصمغ وأضمدة من السويق والقسب والسفرجل والورد وما يجري مجراها والمراهم المذكورة لضعف الكبد والمعدة.
وأما المقوية فهي الأغذية والحقن والمعجونات المسمّنه المذكورة في باب الهزال ويجب أن يزاد فيها القوابض فيطرح في مثل الحقن المذكورة القسب والسفرجل ويستعمل فيها من ألبان اللقاح والنعاج فإنها تقوي الكلية وتجمعها وتلززها أيضاً وألبان النعاج لا نظير لها في علل الكلية من قبل الضعف وخصوصاً إذا خلط بها مثل الطين الأرمني وكل الكلى مع سائر المأكولات وخلط النوافع بها كثير المنفعة.